ســـوريـــا الــجــديــدة
احتشد يوم 13/12 الملايين من أطياف المجتمع السوري في كل ساحات المدن السورية مبتهجين بولادة سوريا جديدة، مؤكدين أن بلدهم لايمكن اختزالها بشخص، ومستبشرين بغد مشرق بعد انتهاء حقبة مؤلمة من تاريخهم، ونهاية حرب مدمرة دامت أكثر من 13 عام كان تفاديها ممكنا لو أن القيادة الفردية المخلوعة تفهمت شعبها ومطالبه وآلامه، فأضاعت بتعنتها عشرات الفرص التي أتيحت في كل مراحل الأزمة السورية، بما فيها مبادرات الدول الشقيقة والصديقة ونصائحها بالمرونة وضرورة صياغة عقد اجتماعي جديد يلتف كل السوريين حوله. لذلك، لم تكن النهاية مفاجئة من حيث حتميتها، إلا أنها صادمة بسرعة الانهيار.
شكلت قيادة الثورة حكومة تصريف أعمال مصغرة لثلاثة أشهر بهدف تحقيق الاستقرار والأمان وتوفير الخدمات الضرورية والملحة لحياة الشعب، كما تعهدت بالتحضير لعملية سياسية شاملة تضم كل مكونات وتيارات المجتمع السوري، وصياغة دستور جديد وآلية سياسية تسير البلاد وفقها وتنظم الحياة الاقتصادية والمجتمعية والتعليمية وغيرها. وقدمت هذه الحكومة خطاباً واقعياً لجهة إدارة أمور البلد وصعوبة التركة المؤلمة التي خلفتها الحقبة السابقة، وأشارت بصدق إلى المصاعب الكبيرة التي تواجهها، ووجهت رسالة تمد يد الصداقة إلى كل دول العالم. ويضاف إلى ألم مخاض الولادة الاعتداءات الاسرائيلية شبه اليومية على التراب السوري واحتلال أراض جديدة بما يشكل خرقا للقانون والأعراف الدولية.
ككل الثورات، دائما تكون البدايات متعثرة في الانتقال إلى الحياة الطبيعية والتي تتطلب فترة زمنية ليست بالقصيرة بحكم التحديات الضخمة في كل مفاصل الحياة والتي تضع البلاد على مفترق هام. إلا أن الصورة العامة توحي بتفاؤل حذر، باستثناء بعض الحالات الفردية، عادت الحياة اليومية إلى كل المدن السورية بما يعطي مؤشرات خير ويعكس ترحيب كل السوريين بهذا التغيير، وكان لافتا أن سعر صرف الليرة السورية بدأ بالتحسن، وأن أسعار المواد الغذائية وغيرها بدأت بالانخفاض، إضافة إلى توفرها في الأسواق.
ليست سوريا غريبة عن الأزمات عبر تاريخها الطويل، فقد فرضت عليها جغرافيتها أن تمر بمحن خارجية وداخلية استطاع شعبها التغلب عليها، بحكم ذاكرته وموروثه العميق، وهنا تقفز للذهن حكمة مؤسس الدولة الأموية "لو كان بيني وبين الناس شعرة لما انقطعت، إن شدوها أرخيتها وإن أرخوها شددتها"، فالقاعدة الأساسية لمواجهة المحن رص الصف الداخلي عبر العدالة والقرب من الشعب لتفهم احتياجاته وتطلعاته والعمل الجاد على تحقيقها، وهو ما افتقدته مؤسسة الحكم السابقة.
يعتز كل السوريين بتنوعهم القائم عبر التاريخ، ولعل مايميز هذا البلد العريق، أن أخوتهم مستمدة من سوريتهم التي احتوت التلاوين الروحية التي ولدت في هذه الجغرافيا الجميلة، وما استمراريتها لآلاف السنين إلا دلالة على روح التعايش التي اتصف بها والتي تمثل ذروة القيم الانسانية الفطرية، والتي لم تكن عائقا في سبيل إبداعه ونجاحاته.
تعول سوريا الجديدة على الأشقاء والأصدقاء والجيران والأمم المتحدة للمساعدة في مرحلة الانتقال هذه، وكلي يقين أن سوريا تستطيع شق طريقها بسواعد أبنائها، ومع حسن إدارة مواردها ستكون قادرة على طي صفحة نصف القرن الماضي والقيام من جديد لتلعب دورها التاريخي كمنارة علم ونهوض، وهذا هو التحدي الأكبر في صياغة العقد الاجتماعي الجديد وإدارات الحكومات القادمة.
هذه هي سوريا الصديقة للصين لأكثر من ألفي عام، والتي تعمل على تعزيز أواصر الصداقة بين البلدين والشعبين. و لا يفوتني أن أتوجه بالشكر للمساعدات الصينية التي قدمت للشعب السوري خلال محنته، وآخرها الزلزال المدمر في شباط الفائت، كما نثمن عالياً البيانات الرسمية الصينية المؤكدة على احترام خيارات الشعب السوري وحقه بصياغة مستقبله ومصيره، وعلى احترام وحدة التراب والسيادة السورية، ونؤكد أننا نعول كثيراً على الدور الصيني في رفع العقوبات الجائرة على سوريا وفي مساعدتها على تجاوز هذه المرحلة المفصلية، ولاحقا في إعادة الاعمار.